جلس بجانبي على الرصيف ، يلبس ملابس قطنية خفيفة ، فاليوم حار ، و مع ذلك كنا سعداء ، بجانبه جلست سيدة محجبة ، و فتاة في الخامسة أو السادسة ، تقف امامهما تتقافز في مكانها ، رغبة منها في الدخول وسط الجموع و الجري في الشارع ، كانت حركاته واعية ، لم يتحرك كثيرا لألاحظ حاله ، و لكن لفتت نظري جبهته الضيقة و عينينه المضطربتين ، و رأسه الصغيرة الحليقة ، ثم تكلم في هاتفه : ازيك يا عماد احنا في الكوربة و الجو جميل خالص و الناس فرحانه و فيه مهرجان و الناس قاعدة تلعب و البنات بتجري بص بص بص الحاجات حلوة أوي تعالى لو عايز اصل الحاجات حلوه أوي و الجو حلو يعني يعني يعني انا قاعد مع منال و سارة على الرصيف في الضل و بناكل شيبسي و هاروح دلوقتي أجيب جيلاتي تعالى دلوقتي مع السلامة. جملة واحدة بلا توقف و بلا ترتيب لأفكار أو انتظار لسماع ما سيقوله الآخر ، ذهب ثم عاد حاملا جيلاتي لزوجته و لابنته ، أفترض أنهما كذلك لأني لا أعرف صلات أسرية أخرى تدعو رجلا مثله للخروج مع أقرباء ، او حتى غرباء ، لم يأكل جيلاتي ، فهو رجل كبير لا مكان لمثل هذه الأشياء الطفولية في يده. تذكرت ما كتبه فؤاد الفرحان هناك عن أخيه. أحد الطيبين اللذين أعرفهم يهوى الكشري ، هو يأكل علبة كشري نهارا و علبة أخرى ليلا ، و بعض الناس حولنا حالما يروه يبدأون في مشاكسته ، و إظهار الجانب الخسيس فيهم ، و قد تتطور المشاكسة فتتحول من الكلام البارد الى لكمات و لطمات و رفع الصوت و وجوههم تملؤها السعادة ، و هو ما اعتاد اخوته – أصدقائي – عليه فيقومون بسحب أخيهم بهدوء منعا لتطور الموقف من جانبه ، الأمر الذي أدى بي إلى ثورة زعيق و خناق مع أحد المشاكسين في يوم ما ، كانت المشاكسة فيه في غير وقتها على الإطلاق صديقي لا يتورع عن رد اللكمات و اللطمات ، يفعلها بسعادة و ضحك ، و هو هزار بالنسبة له و تفريغ للطاقة ، بينما على الجانب الآخر تعذيب و إهانة و شماته في خلق الله ، صديقي مشهور عنه حادثه ، صحى من نومه المبكر غالبا ، خرج الى الصالة ، وجد العائلة جالسة مجتمعة ، و قال في أسي ، نسيت آكل كشري انهارده. جار آخر كبير في السن ، ربما في الأربعين أو يزيد ، كنت اراه يمشي مع والده دائما ، ذاهبا الى الجامع للصلاة في العادة ، يمشي خلف والده بصرامة و حزم ، كالمقدم على عمل جاد ، بينما يمشي والده في تؤده اكتسبها من سنه المتقدم ، أراه رائحا غاديا لا تتغير مشيته ، و لما توفي والده ، تقدمه أخاه ، فظل يمشي نفس المشية الصارمه خلف الأخ ، و كأن شيئا لم يتغير . و لسبب ما مررت أمامه جالسا مع أصحاب محل كهربائي بجانبنا ، كانوا صامتين بين قاريء للجريدة و متأمل في أسفلت الشارع ، بينما هو يحكي عن القهوجي الذي يعرفه حق المعرفة ، و يتبادل معه الكلام و الصداقة ، و كيف أنه يأتيه بالشاي باردا كما يحب ، و كيف أنه يسجل رقمه في دليل الهاتف الصغير الخاص به ، أخرج الدفتر الجلدي الصغير مشهدا إياهم على صدق كلامه . استغرق مشواري دقائق قليلة ، و عدت لأراهم ضاحكين ، و أحدهم ينغزه في جانبه ، مرددين : خلاص بقى ، ماتزعلش يا عم ، احنا كنا بنهزر معاك بس . بينما هو معرضا وجهه عنهم ، مصعرا خده ، لاويا بوزه ، وضعا كفه على خده الأخر و تقطيبة جبينه أرهقت قلبي ، و ما زالوا يداعبونه طالبين عفوه و إرضاءه ، حتى ملوا فعادوا الى ما كانوا عليه من التأمل و قراءة الجريدة. |
أوقات بحس إنك طيب بجد، لما بقرالك حاجة زي دي، بكون حابك بشكل فعلي