في أحد الأيام اشترى لي أبي مجموعة من الكتب ، كان من بينها مجموعة الشيطان يعظ لمحفوظ ، لم تعجبني المجموعة ، لم أكن أحب القصص القصيرة ، وقتها كنت احب الرويات الطويلة ، و عندما علمت أن محفوظ استاذ الرواية في مصر بدأت في قراءة أعماله و من يومها أحببته و مع الوقت و مع تطور الصراعات و محاولة قتله ، اكتسبت العلاقة بيننا بعدا جديدا ، كنت متعاطفا معه الى أقصى حد ، و حتى عندما قرأت أولاد حارتنا و عرفت محفوظ العلماني الصميم ، لم ينقص هذا من تعاطفي معه ، بل أعجبني ايمانه المطلق بالعلم ، مع أنه روائي و أديب ، نتوقع منه أن يكون رومانسيا أو مثاليا ، و هكذا و مع تقدمه في السن ، كنت دوما أخاف اليوم الذي سأسمع فيه خبر رحيله ، كما نفعل مع من نحبهم ، مع أقاربنا و معارفنا ، و اليوم حتى مع توقعي لوفاته ، الا انني صدمت لما قرأت العنوان الرئيسي في بي بي سي ، جنازة عسكرية ، هل سأمشي في الجنازة؟ هل سيمشي الناس في الجنازة؟ هل سيسمح الزحام بالصلاة عليه؟ يرحل نجيب محفوظ في فترة شديدة الحرج من حياتي ، بالتدريج أبتعد عن القيم التي تنعلمتها ، سلوكي الدمث مع الناس يتلاشي تدريجيا ، البخل صفة اكتسبتها مؤخرا ، ثم يأتي هذا الرحيل ليسرع بي في طريق الابتعاد عن هذه القيم ، حتى محفوظ لم تعد تعجبه دنيانا فرحل الكثيرون يقولون وداعا ، أنا أتمنى أن ألقاك في الاخرة ، ربما اجتماعنا في الاخره أسهل من اجتماعنا في الدنيا |