Sunday, September 17, 2006
حوار قديم لمحفوظ
جمال الغيطاني يعيد نشر حوار لنجيب محفوظ ، الحوار منشور أصلا في باريس بريفيو عام 1992 ، الحوار جريء جدا ، ربما كان محفوظ أكثر جرأة قبل عام 1994
هنا نص الحوار بالعربية
و هنا بالانجليزية
حوار: شارلوت الشبراوي
شارلوت: متي بدأت الكتابة؟
نجيب محفوظ: في 1929، لقد رفضت جميع قصصي. وقد أعتاد سلامة موسي رئيس تحرير 'المجلة' أن يقول لي: عندك إمكانيات، لكنك لم تنضج بعد. وفي سبتمبر 1939، إنني أتذكر ذلك جيدا، فقد كانت بداية الحرب العالمية الثانية، هجوم هتلر علي بولندا، نشرت قصتي 'عبث الأقدار'، وكانت بمثابة هدية مفاجئة من ناشري 'المجلة'، وكان ذلك حدثا هاما للغاية في حياتي.
شارلوت: هل جرت الكتابة والنشر بعد ذلك بسهولة؟
محفوظ :لا.. برغم أن صديقا لي، وكان كاتبا، أتي إلي عقب نشر أولي قصصي وحدثني عن أخيه الذي كان يمتلك مطبعة. وقد كون لجنة للنشر مع بعض الزملاء الذين حققوا شيئا من النجاح، وبدأنا النشر في 1943 بشيء من الانتظام. وكنا ننشر قصة من تأليفي سنويا.
شارلوت: لكنك لم تعتمد أبدا علي كتابتك في العيش؟
محفوظ: كنت دائما موظفا حكوميا، وكنت، علي عكس ذلك، أنفق علي الأدب علي الكتب والورق. لم أحصل علي أية نقود من كتابتي حتي زمن طويل لاحق. وقد نشرت حوالي ثمانين قصة دون أن أحصل علي شيء. حتي رواياتي الأولي نشرتها مجانا، لمساعدة اللجنة.
شارلوت: متي بدأت تربح من كتابتك؟
محفوظ: عندما ترجمت قصصي القصيرة إلي الانجليزية، والفرنسية، والألمانية، كانت رواية 'الجبلاوي' بصفة خاصة ناجحة إلي أبعد حد، وعادت عليٌ بكسب مالي أكثر من أية قصة أخري.
وكانت أول رواية لي تترجم 'زقاق المدق'، وقام ناشر لبناني يسمي الخياط بنشرها. ولم أحصل، كما لم يحصل المترجم علي أية نقود لأن الخياط غشنا. وقد قامت دار النشر 'هاينيمان' بإصدارها من جديد في حوالي 1970، وترجمت بعد ذلك إلي الفرنسية، وتلتها ترجمات أخري لأعمالي بسرعة.
شارلوت: ما هو الدور الذي لعبه الوضع السياسي قبل 1952 في حياتك؟
محفوظ: كنت في السابعة تقريبا عندما وقعت ثورة 1919، وقد تأثرت بها أكثر وأكثر وصرت أكثر وأكثر تحمسا لها، وكان كل من أعرفهم يوالون حزب الوفد والتحرر من الاستعمار، وفيما بعد أصبحت أكثر انخراطا في الحياة السياسية كنصير صريح لسعد زغلول باشا. ومازلت أعتبر هذا الانخراط أحد أهمٌ الأشياء التي فعلتها في حياتي. لكنني لم أشتغل بالسياسة أبدا، ولم أكن عضوا بلجنة رسمية أو حزب سياسي، ورغم أني كنت وفديا، لم أرغب أبدا في أن أعجرف كعضو بحزب، وقد أردت، ككاتب، الحرية المطلقة التي لايمكن أن يحصل عليها عضو بحزب.
شارلوت: و 1952؟
محفوظ: لقد سعدت بحدوث تلك الثورة. لكنها، للأسف، لم تحقق الديموقراطية،
شارلوت: هل تعتقد ان تقدما أحرز نحو الديموقراطية والحرية منذ عهد جمال عبدالناصر والسادات؟محفوظ: بلي، لاشك في ذلك، في عهد عبدالناصر، كان المرء يخشي الجدران، كان الجميع خائفين، وكنا نجلس في المقاهي في خوف من الحديث، وكنا نلزم البيوت، في خوف شديد من الحديث، وكنت أخشي أن اتحدث إلي طفلتيٌ عن أي شيء حدث قبل الثورة إذ كنت أخشي أن يذهبا إلي المدرسة ويقولا شيئا يمكن أن يساء تفسيره والسادات جعلنا نشعر أننا أكثر أمنا. وفيما يتعلق بحسني مبارك فدستوره غير ديموقراطي، لكنه ديموقراطي، فنحن نستطيع الآن أن نعٌبر عن آرائنا. والصحافة حرة ونستطيع أن نجلس في بيوتنا ونتحدث بصوت مرتفع كما لو كنا في انجلترا. لكن الدستور يحتاج إلي مراجعة.
شارلوت: هل واجهت صعوبات كثيرة مع الرقابة؟ هل اضطررت إلي أن تعيد كتابة أي نص من نصوصك؟
محفوظ: ليس مؤخرا، لكن أثناء الحرب العالمية الثانية اعترضت الرقابة علي 'القاهرة الجديدة' و 'رادوبيس'. وقد وصفت بأني يساري. ووصف الرقيب 'رادوبيس' بأنها عمل مثير للفتنة، لأن الناس فيها يقتلون ملكا، وكان ملك مصر لايزال علي قيد الحياة. وشرحت لهم أنها كانت مجرد قصة تاريخية، لكنهم ادعوا انها تاريخ مزيف، وان الملك موضوع الرواية لم يقتله الشعب، لكنه مات في 'ظروف غامضة'.
شارلوت: هل الرقيب اعترض أيضا علي 'أولاد الجبلاوي'؟
محفوظ: بلي، وبرغم أني كنت في ذلك الوقت مسئولا عن الرقابة الفنية عموما، نصحني مدير الرقابة الأدبية ألا أنشر الكتاب في مصر لأتجنب صراعا مع الأزهر، وقد نشر في بيروت ولكن لم يسمح بدخوله إلي مصر، كان ذلك في 1959، في عهد عبدالناصر. ولايزال يحرم بيع الكتاب هنا. ولكن الناس يهربونه إلي مصر.
شارلوت: ما الذي كنت تقصده ب 'أولاد الجبلاوي'؟ هل كنت تقصد أن يكون الكتاب مثيرا للاستفزاز؟
محفوظ: أردت أن يبين الكتاب ان العلم له مكان في المجتمع، كما يفعل دين جديد بالضبط، وان العلم لايتعارض بالضرورة مع القيم الدينية، وأردت أن أقنع القراء بأننا لو رفضنا العلم، سنرفض الرجل العادي، وللأسف، أسيء تفسير الرواية من جانب أولئك الذين لايعرفون كيف تقرأ قصة. وبرغم أن الكتاب يتناول 'جيتووات' أحياء فقيرة وأولئك الذين يديرونها، فقد فسر بأنه يتناول الأنبياء أنفسهم، وبسبب هذا التفسير، اعتبرت القصة، بطبيعة الحال، صادمة، وتبين، فيما يفترض، الأنبياء وهم يمشون حفاة، ويتصرفون بقسوة... لكنها، بطبيعة الحال، استعارة، وكأن تراثنا يخلو من الاستعارات، ففي حكاية 'كليلة ودمنة'، علي سبيل المثال، يمثل أسد السلطان. لكن لا أحد يدعي أن المؤلف حول السلطان إلي حيوان! فالحكاية كانت تعني شيئا.. ولايقصد أن تؤخذ الاستعارة بالمعني الحرفي فهناك افتقار شديد للفهم علي جانب بعض القراء.
شارلوت: ما رأيك في قضية سلمان رشدي؟ هل تؤمن بضرورة أن يتمتع الكاتب بحرية مطلقة؟
محفوظ:سأقول لك بدقة رأيي: ان كل مجتمع لديه تقاليده، وقوانينه، ومعتقداته الدينية، والتي يحاول أن يحافظ عليها. ومن وقت إلي آخر، يظهر أفراد يطالبون بتغييرات. وأنا أعتقد أن المجتمع يملك الحق في أن يدافع عن نفسه، مثلما يملك الفرد الحق في أن يهاجم ما لا يوافق عليه. واذا استنتج كاتب ان قوانين أو معتقدات مجتمعه لم تعد صالحة أو حتي أنها ضارة، فمن واجبه ان يتحدث صراحة. لكن ينبغي أن يكون مستعدا لكي يدفع الثمن لقاء صراحته. واذا لم يكن مستعدا لدفع ذلك الثمن، يستطيع ان يختار التزام الصمت. والتاريخ مليء بأشخاص سيقوا إلي السجن أو اشعلت فيهم النيران للاعلان عن أفكارهم. وقد دافع المجتمع عن نفسه دائما. وهو يفعل ذلك في هذه الايام بجهاز شرطته ومحاكمه. انني أدافع عن حرية التعبير وحق المجتمع في أن يقاومها، وينبغي أن أدفع ثمن الاختلاف، وهذه هي الطريقة الطبيعية للأشياء.
شارلوت: هل قرأت 'الآيات الشيطانية'؟
محفوظ: لم أقرأها. ففي الوقت الذي صدرت فيه، كنت لم أعد أستطيع أن أقرأ بصورة جيدة فقد تدهور نظري بدرجة كبيرة مؤخرا، لكن الملحق الثقافي الأمريكي في الاسكندرية شرح لي الكتاب فصلا فصلا. لقد وجدت الإهانات التي يحتوي عليها غير مقبولة. فرشدي يهين حتي نساء النبي .انني أستطيع أن أجادل بأفكار، لكن ما الذي ينبغي أن أفعله باهانات؟ ان الاهانات مكانها المحكمة، وفي الوقت نفسه، أعتبر ان موقف الخوميني خطير بالمثل، فهو لايملك الحق في أن يصدر حكما فهذه ليست الطريقة الاسلامية فعندما يتهم رجل بالهرطقة، طبقا للمباديء الاسلامية، يخير بين اعلان التوبة أو العقوبة. ولكن رشدي لم يعط هذا الخيار، وقد دافعت دائما عن حق رشدي في أن يكتب ويقول ما يريده من حيث الأفكار، لكنه لايملك الحق في أن يوجه الإهانة إلي أي شيء، وبصفة خاصة إلي نبي أو أي شيء يعتبر مقدسا، ألا توافقين؟
شارلوت: هل كنت متدينا كطفل؟ هل كنت تذهب بصحبة أبيك إلي المسجد كل يوم جمعة؟
محفوظ: كنت بصفة خاصة متدينا عندما كنت يافعا، لكن والدي لم يمارس الضغط علي لكي أصلي صلاة الجمعة، برغم أنه كان يذهب إلي المسجد أسبوعيا. وفيما بعد، بدأت أشعر بقوة ان الدين ينبغي أن يكون منفتحا، فالديانة مغلقة العقل لعنة. والانشغال المفرط بالدين يبدو لي ملاذا أخيرا للناس الذين استهلكتهم الحياة. وأنا اعتبر الدين هاما للغاية ولكنه ينطوي أيضا علي احتمالات خطورة. فاذا أردت أن تحرك ناسا تبحث عن نقطة حساسية، وفي مصر لاشيء يحرك الناس بقدر ما يفعله الدين، فما هو الشيء الذي يجعل الفلاح يعمل؟ انه الدين، ولذلك، ينبغي أن يفسر الدين بطريقة منفتحة.
وينبغي أن يتحدث عن الحب والانسانية، فالدين له علاقة بالتقدم والحضارة، وليس مجرد عواطف. وتفسيرات الدين في الوقت الحاضر، للأسف، في الغالب متخلفة وتتضارب مع الحضارة.
شارلوت: هل تصلي هذه الأيام؟
محفوظ: أحيانا. لكن السن يمنعني في الوقت الحاضر. بيني وبينك، انني أعتبر الدين سلوكا انسانيا جوهريا، ومع ذلك، من الواضح إن معاملة الانسان الحسنة لأخيه الانسان أهم بكثير من أن تصلي وتصوم وأن تلمس رأسك المصلاة دائما. فالله لم يقصد أن يكون الدين ناديا رياضيا.
شارلوت: هل زرت مكة؟
محفوظ: لا
شارلوت: هل تريد أن تذهب؟
محفوظ: لا.. أنا أكره الازدحام.
شارلوت: نعود مرة أخري إلي كتابتك: هل تعمل وفقا لبرنامج منتظم؟
محفوظ: كنت اضطر دائما أن أفعل ذلك. كنت أمارس عملي من الثامنة صباحا حتي الثانية بعد الظهر. وكنت أكتب من الرابعة حتي السابعة ثم أقرأ من السابعة حتي العاشرة. كان هذا جدولي اليومي باستثناء يوم الجمعة، ولم يكن لدي أبدا وقت لأفعل ما أشتهيه، لكنني توقفت عن الكتابة منذ ثلاث سنوات.
شارلوت: كيف تقع علي الشخصيات والأفكار لقصصك؟
محفوظ :دعيني أجيب علي هذا النحو. عندما تقضي وقتا مع أصدقائك، ما الذي تتحدثون عنه؟ تلك الأشياء التي تركت أثرا في نفسك في ذلك اليوم، ذلك الأسبوع.. انني أكتب قصصا بنفس الطريقة. الأحداث في البيت، في المدرسة، في العمل، في الشارع، هذه هي أساسيات القصة. وبعض التجارب تترك انطباعا عميقا إلي حد أنني استخدمها في كتابة رواية بدلا من التحدث عنها في ناد.
وعلي سبيل المثال، حالة مجرم قتل ثلاثة أشخاص هنا مؤخرا، واذ أبدأ بتلك القصة الأساسية، ينبغي ان اتخذ عددا من القرارات تتعلق بكيفية كتابتها، ويمكن ان اختار، علي سبيل المثال، اما أن اكتب القصة من منظور الزوج أو الزوجة أو الخادم أو من منظور المجرم، وربما يميل تعاطفي نحو الجاني. تلك هي أنواع الخيارات التي تجعل القصص تختلف احداها مع الأخري.
شارلوت: كم مرة تراجع وتعيد الكتابة قبل أن تعتبر قصة منتهية؟
محفوظ: إنني أجري عدة مراجعات وأحذف الشيء الكثير، وأعيد كتابة الصفحات من جديد، حتي في ظهرها. ومراجعاتي في أغلب الأحيان أساسية وبعد أن أراجع، أعيد كتابة القصة وأرسلها إلي الناشر، ثم أمزق جميع المسودات القديمة وأتخلص منها.
شارلوت: ألا تحتفظ أبدأ بأية ملاحظة من ملاحظاتك، ان كثيرا من الكتاب يحتفظون بكل كلمة كتبوها: ألا تؤمن بأهمية أن تدرس عملية كاتب ببحث مراجعاته؟
محفوظ: ربما كان ذلك صحيحا، لكن، ببساطة، ليس حفظ الملاحظات جزءا من ثقافتي، إنني لم أسمع أبدا عن كاتب يحافظ علي مسوداته المبكرة، إذ ينبغي أن أتخلص من مراجعاتي واذا لم أكن أفعل ذلك، لكان بيتي قد فاض بأوراق لانفع فيها! وإلي جانب ذلك، فإن خطي رديء.
شارلوت: هل تتماهي مع أي من شخصياتك؟
محفوظ: يمثل كمال (الثلاثية) جيلي، أفكارنا، وخياراتنا، ومعضلاتنا وأزماتنا السيكلوجية كما أن شخصيته بهذا المعني أوتوجرافيكية، لكنه عالمي في نفس الوقت. كما أشعر أني قريب من عبدالجواد، الأب.. فهو منفتح علي الحياة في جميع جوانبها، وهو يحب أصدقاءه، ولا يؤذي أحدا عن عمد علي الاطلاق والشخصيتان معا تمثلان نصفي شخصيتي، فعبدالجواد اجتماعي للغاية، وهو يحب الفن والموسيقي، وكمال متحفظ وخجول وجاد ومثالي.
شارلوت: دعنا نتحدث عن مثال محدد لكتابتك: اللص والكلاب، كيف بدأت؟
محفوظ: لقد استلهمت القصة من لص روع القاهرة لمدة طويلة كان اسمه محمود سليمان، وعندما خرج من السجن، حاول أن يقتل زوجته ومحاميه، وقد تمكنا من الفرار بدون أن يلحق بهما أي أذي، لكنه قتل في العملية.
شارلوت: هل خانته زوجته، كما حدث في الرواية؟
محفوظ: لا... لقد خلقت الرواية من شخصيته. وكنت آنئذ أعاني من إحساس رازح وغريب بأني ألاحق والاقتناع بأن حياتنا في ظل النظام السياسي في ذلك الوقت لم يكن لها معني. لذا عندما كتبت قصة المجرم، كتبت قصتي معها. لقد أصبحت حكاية جريمة بسيطة تأملا فلسفيا في الفترة الزمنية، وقد عرضت الشخصية الرئيسية، سعيد مهران، لكل التباسي، وحيراتي، وجعلته يخوض تجربة البحث عن اجابات في الشيخ، وفي 'المرأة الساقطة' وفي المثالي الذي خان أفكاره من أجل المال والشهرة، فالكاتب، كما تعرفين، ليس مجرد صحفي. فهو ينسج قصته بشكوكه وتساؤلاته وقيمه، وهذا فن.
شارلوت: ماذا عن دور الدين في القصة؟ هل الايمان بالله هو الطريق إلي السعادة الحقة، كما يوحي الشيخ؟ هل الصوفية هي الاجابة التي يبحث عنها المجرم؟
محفوظ:ان الشيخ يرفض الحياة كما نعرفها. والمجرم، علي الجانب الآخر، يحاول أن يحل مشاكله المباشرة. وهما في عالمين مختلفين.
إنني أعشق الصوفية كما أعشق الشعر الجميل، ولكن هذا ليس هو الاجابة.. فالصوفية هي مثل سراب في الصحراء، وهي تقول لك، تعال واجلس، استرخ ومتع نفسك لحين من الوقت. إنني أرفض أي مسار يرفض الحياة، لكنني لا أملك الا أن أعشق الصوفية لأنها تبدو جميلة للغاية... انها تعطي إحساسا بالراحة في لج معركة...
شارلوت: أعرف عدة أصدقاء مصريين يستشيرون شيوخا صوفيين بصورة منتظمة باحثين عن حلول..!
محفوظ: أتمني لهم التوفيق. إن الحل الحقيقي لمشاكلهم يوجد في البنك الأهلي.
شارلوت: يجسد عبدالجواد في الثلاثية الذكر المصري النموذجي في زمنه. هل لايزال نمطه شائعا اليوم؟
محفوظ: بلي. وخاصة في الصعيد، في الريف.. ولو أن عبدالجواد اليوم قد يكون فيما يحتمل أقل تطرفا. أما يوجد ظل منه في كل رجل؟
شارلوت: تقصد كل رجل مصري، أم كل رجل؟
محفوظ: لا أستطيع أن أتحدث باسم بلدان أخري، لكن من المؤكد ان ذلك ينطبق علي الرجال المصريين.
شارلوت: لماذا تنتمي غالبية بطلاتك إلي طبقة اجتماعية دنيا؟ هل قصدت بهن أن يرمزن إلي أي شيء أضخم؟ مصر، علي سبيل المثال؟
محفوظ: لا. لقد قصدت بالكتابة عن نساء الطبقة الدنيا أن أبين أن المرأة، خلال الفترة التي تدور فيها أحداث هذه الروايات، لم تكن لديها حقوق. واذا فشلت امرأة في العثور علي زوج جيد أو في الطلاق من زوج سييء، فلا أمل لها. وفي بعض الأحيان، تضطر، للأسف، إلي اتباع سلوك غير مشروع. وحتي وقت قريب للغاية، كانت المرأة تحرم من كثير من الحقوق.. حتي الحقوق الأساسية مثل حرية الاختيار في الزواج، والطلاق، والتعليم. الآن مع تعليم المرأة، يتغير هذا الوضع، لأن المرأة المتعلمة لديها سلاح وبعض المصريين يرون أن حميدة في زقاق المدق كانت ترمز إلي مصر، لكنني لم أقصد أي شيء من هذا القبيل.شارلوت: ما رأيك في مثل هؤلاء النقاد، الذين يفسرون عملك من حيث الرموز؟
محفوظ: عندما سمعت لأول مرة أن حميدة ترمز إلي مصر، شعرت بدهشة، حتي بشيء من الصدمة. وشككت في أن النقاد قرروا ببساطة أن يحولوا كل شيء وكل شخص إلي رموز. لكنني بعد ذلك بدأت أري أوجه شبه بين جوانب من سلوك حميدة وجوانب من الوضع السياسي وعندما انتهيت من قراءة المقال، أدركت ان الناقد كان محقا في أنني عندما كنت أكتب عن حميدة كنت أكتب لا شعوريا عن مصر أعتقد أن هذه المتوازيات الرمزية ربما تأتي دائما من الوعي الباطني. ربما لا أقصد أن تعطي قصة معني معينا يراه القاريء فيها، فهذا المعني يمكن مع ذلك أن يكون جزءا مشروعا من القصة فالكاتب يكتب عن وعي وبدون وعي في آن واحد.شارلوت: لكن ماذا عن مفهوم البطل؟ فالأبطال فيما يبدو لايوجدون في قصصك، ولا في الواقع، في قصص أي كاتب مصري معاصر؟.
محفوظ: حقيقة ليس هناك أبطال في معظم قصصي هناك شخصيات فقط لماذا؟ ذلك لأني أنظر إلي مجتمعنا بعين ناقدة ولا أجد شيئا غير عادي في الناس الذين أراهم، فالجيل السابق لجيلي، الذي تأثر بانتفاضات 1919، شهد سلوكا بطوليا والعامل الذي يستطيع أن يتغلب علي عقبات غير عادية، هذا نوع من الابطال. الكتاب الآخرون توفيق الحكيم، محمد حسين هيكل، ابراهيم عبدالقادر المازني يكتبون عن أنماط بطولية، لكن جيلي، بشكل عام، لامبال للغاية، والبطل شيء نادر، ولا تستطيع أن تضع بطلا في 'رواية' ما لم يكن عملا فنتازيا.
شارلوت: كيف تصف بطلا؟
محفوظ: هناك أبطال كثيرون في الأدب العربي القديم، وجميعهم راكبو خيول وفرسان، لكن البطل اليوم يمكن بالنسبة لي أن يكون انسانا يتقيد بمجموعة مباديء معينة ويدافع عنها في وجه المعارضة وهو يحارب الفساد، وهو ليس انتهازيا وله أساس أخلاقي متين.
شارلوت: هل تعتبر نفسك بطلا؟
محفوظ: أنا؟
شارلوت: ألست أنموذجا، لابنتيك وجمهورك، للرجل الذي يدافع عن مبادئه في وجه الشدة؟محفوظ: بلي، بالتأكيد، لكنني لا أعتبر نفسي بطلا.
شارلوت: كيف، إذن، تصف نفسك؟
محفوظ: شخص ما يحب الأدب. شخص ما يؤمن بعمله وهو مخلص له. شخص يحب عمله أكثر من حبه للمال أو الشهرة وبطبيعة الحال، لو أتي المال وأتت الشهرة، فمرحبا بهما! لكنهما لم يكونا غايتي أبدا. لماذا؟ لأنني أحب الكتابة أكثر من أي شيء آخر. ربما يكون ذلك شيئا غير صحي، لكنني أشعر أن حياتي بدون الأدب لن يكون لها معني. ربما كان لدي أصدقاء جيدون، وأستطيع أن أسافر وأتمتع بنعم الدنيا، لكن بدون الأدب سوف أكون شقيا، هذا شيء غريب، لكنه ليس غريبا حقيقة، فمعظم الكتاب يفكرون علي هذا النحو، ولا يعني هذا أنني لم أفعل شيئا في حياتي غير الكتابة فأنا متزوج، ولي ابنتان، ثم، منذ 1935، أصبت بحساسية في عيني تمنعني من القراءة أو الكتابة خلال الصيف، وقد فرضت توازنا علي حياتي توازن هبط علي من الله! وكل سنة ينبغي أن أعيش ثلاثة أشهر كرجل ليس كاتبا، وفي تلك الأشهر ألتقي أصدقائي وأسهر حتي الصباح. وتقولين إنني لم أعش؟
posted by ربيع @ 9/17/2006 02:27:00 PM  
0 Comments:
Post a Comment
<< Home
 
 
عن شخصي المتعالي
مدونات
روابط
كتب
أخبار
Free Blogger Templates
© SprinG
eXTReMe Tracker