Wednesday, December 06, 2006
عن ابن خلدون و العلماء المسلمين

دأبنا دائما على ذكر مؤرخينا و شيوخنا و شعرائنا السابقين بالخير ، و مدحنا الحسن بن الهيثم و الخوارزمي و غيرهما ، ربما لأن القرعة تتعايق بشعر بنت عم اللي جابوا ام بواب البيت ، فنحن اليوم بين باقي الأمم لا رصيد لنا في العلم أو البدنجان ، فمن لنا غير السابقين نمدحهم و نعلى من شأنهم؟
قبل عدة أيام صدر كتاب جميل عن مكتبة الأسكندرية ، بتقديم من د سراج الدين مدير المكتبة و تحرير خالد عزب و محمد السيد ، اسم الكتاب مع ابن خلدون في رحلته ، يحكي الكتاب باسلوب بسيط و مشوق قصة حياة ابن خلدون ، يتكلم ايضا عن القاهرة و مبانيها و فنونها و مؤرخيها في ذلك الوقت ، طبعا الظاهر من الكتاب مدح ابن خلدون ، و لكنك ستقرأ الكثير عن ابن خلدون مما يشعرك بالقرف
فهو أحد أفراد عائلة عريقة ، كانوا دائما يتملقون السلاطين و يعيشون على قفاهم ، حتى اذا ما تغير السلطان بدلوا ولاءهم للسلطان الجديد ، و هكذا كان عبد الرحمن بن خلدون ، متنقلا بين تونس و المغرب و الأندلس ، عارضا ولاؤه للبيع على كل صاحب سلطة أو حاكم ، و ربما عرضه على فلان ثم عرضه على خليفته الثائر عليه ، و لا أفهم كيف يقبل كل هؤلاء بمثل هذا المتلون و هم يعلمون انه انقلب على من سبقهم و ربما سينقلب على من سيليهم ، و لكن الحاكم الفاسد يتخذ دائما بطانه فاسده
ثم حضر سيادته الى مصر و كان قد كتب تاريخه و مقدمته ، و هنا اقول انني اندهش كلما قرأت المقدمة ، فهي تؤسس لعلم الاجتماع بلا جدال ، و ربما كان وضع ابن خلدون بالقرب من الحكام سببا في رؤيته الثاقبة ، و لما حضر الى مصر لاقاه الناس بالترحاب و طلبوا ان يتعلموا على يديه فبدأ في التدريس بالأزهر ، و هنا نعلم لماذا اصبح التمسح بالحاكم من صفات المصريين ، و بعد فترة اقترب ابن خلدون من حكام مصر في و تولى منصب قاضي قضاة المالكية ، ثم ذهب الى الحج ثم هجم تيمورلنك على بلاد الشام ، فهب –خلي بالك من هب دي – الناصر فرج لملاقاته عند دمشق ، و اخذ معه ابن خلدون و عدد من الفقهاء ، و بعد عدة معارك علم الناصر فرج ببعض الامراء الذين يعدون لغلعه و الجلوس مكانه فترك دمشق لمصيرها و عاد الى القاهرة ، تاركا ابن خلدون على أبواب دمشق
و من لها غير ابن خلدون؟ طلب الرجل لقاء تيمور لنك ، و بدأت وصلة ممتازة من الكسكسة ، فأخبره بأنه كان يتطلع دائما للقائه ، و التعرف على شخصه الكريم ، و تقبيل يديه الطاهرتين ، و اهداه مصحفا و بردة البوصيري و حلوى قاهرية ، و طلب منه الابقاء على حياته و عدم تدمير دمشق ، فأبقى تيمور على حياته و دمر دمشق
يقول المحرران في الكتاب

و لعل ابن خلدون كان يعلق على سلته بتيمور لنك امالا اخرى غير ما وفق اليه في
شأن دمشق و شأن زملائه من العلماء و القضاه ، و لعله كان يرجو الانتظام في بطانة
الفاتح و الحظوة لديه و التقلب في ظل رعايته و نعمائه ، على انه لم يوفق بلا ريب
الى تحقيق مثل هذه الأمنية

فعاد الى مصر مكسكسا مرة اخرى للمماليك
و اخذ يسعى مرة اخرى للحصول على مناصب حكومية مطبقا المثل المصري ان فاتك الميري ، فأخذ يتولى مناصب القضاء و يعزل منها حتى وفاته
رواية العلامة لسالم حميش تحكي قصة ابن خلدون في مصر ، و طبعا تشرح تملقه للحكام ، و لكنها أيضا تذكر كراهية المصريين له لأنه اقترن بامرأة سيئة السمعة لها أخ مخنث
أظن انه يجب علينا قراءة تاريخ علماء المسلمين بعين مدققة
posted by ربيع @ 12/06/2006 12:20:00 PM  
5 Comments:
  • At 3:56 PM, Anonymous Anonymous said…

    هو بس في خط غليظ وواضح بين قيمة انتاجه العلمي وحياته الشخصية. أنا في رأيي ان المهم انه ميبقاش في تناقض بين الرسالة العلمية والحياة الشخصية. يعني مثلا الفيلسوف الانجليزي جون لوك كتب درر في الحرية والتحرر الخ الخ وبعدين يروح يتاجر في العبيد ويستثمر أمواله فيهم!!!! فلو في تناقض بين انتاج بن خلدون في علي الاجتماع اللي بتقول عليه وحياته الشخصية الحقيقية ياريت توضحه. لأن ده اللي يهمني أنا أكتر. وشكرا علي البوست ده

     
  • At 4:08 PM, Blogger AG said…

    الله يكرم أصلك.

     
  • At 4:17 PM, Blogger ربيع said…

    مختار
    على حد علمي و قراءتى ابن خلدون كان
    بيوصف المجتمع اللي حواليه ، اللي احنا بنقول عليه دلوقتي علم الاجتماع ، وقتها طبعا ماكانش فيه حاجه اسمها كده ، كمان كان كان بيتكلم عن صعود و انهيار الحضارات و الدول
    مافتكرش ان كان فيه تناقض بين الانتاج العلمي بتاعه و بين حياته ، الا اذا اعتبرنا ان الكسكسة للحكام و المحتلين وصمة عار بغض النظر عن الانتاج العلمي ، طبعا مع العلم ان اللي وصلنا عن حياته قليل جدا

     
  • At 5:48 AM, Anonymous Anonymous said…

    يا راجل حرام عليك :)

    ابن خلدون قراءته كانت ممتعة جدا

    غير قيمة المقدمة- اللي كتبها في شهور معدودة!- فيه قيمة سيرته الذاتية "التعريف بابن خلدون مؤلف الكتاب ورحلته شرقاً وغرباً" وصراحتها

    بالنسبة لأدواره السياسية هوا مكنش كسكوس "بالضبط"
    مكانش في الصورة التقليدية لفقيه السلطان. هوا كان أقرب لصورة السياسي معدوم الضمير السياسي والولاء :) كان من عيلة سياسية. اللي أقصده انه كان مؤثر وان وجوده جنب واحد من حكام المغرب أو الأندلس مكانش بس للبركة أو عشان يقول قصيدتين كسكسة، بس كان بيكون له دور سياسي ، مفاوضات مع قبائل متمردة، أو أمراء تانيين، وساعات مدبر انقلاب.. الخ

    فيه كتابات متحاملة جدا على أدواره السياسية في المغرب، وفي كتابات بتحاول تبرر وتحسن المواقف ، وأنا مش عارف هل ينطبق على تصرفاته التصور عن أفراد طبقة العلماء اللي حسوا بقيمة وانهم ممكن يقدموا دور وتأثير من خلال الاقتراب من السلطة والتأثير فيها. صعب يكون ده في بلاد المغرب. ممكن يكون استشرف ده مع تيمورلنك واللي كان شايف انه قائد عظيم. الله أعلم.

    مش عارف انت زعلان ليه من انه ضحك على المصريين وخلاهم يعينوه قاضي قضاة المالكية. بهزر :) هوا غالبا كانت وصلت شهرته وشهرة مؤلفه "المبتدأ والخبر..." ، غير انه زي ما حكى في سيرته الذاتية لما ألقى دروسه في الأزهر في موطأ مالك، المستمعين كانوا منبهرين بعلمه، زيادة على ان بلاد المغرب تقليديا هي محتضنة الفقه المالكي ، اللي لا زال المذهب الرسمي للمغرب مثلا - طبعا على الورق لأن منظومة التقليد انتهت تقريبا-

    موقفه مع تيمورلنك اللي حكاه في سيرته الذاتية فظيع :) الأحلى انه - على ما أتذكر- هيطلب من تيمورلنك بعد شوية وهوا راجع على مصر انه يرجعله الهدايا اللي كان قدمهاله.

    سيبك من تشنيعات معاصريه المصريين الأخلاقية. المعاصرة حجاب. مش تحت ايدي الكتاب اللي مناقش أقوال معاصريه، بس زي ما كان فيه كتابات سلبية جدا عنه ، وكان منها حاجات كوميدية زي ما بفتكر ( انه ساكن عالبحر وانه مش راكز أو بيسمع الغناء أو حاجة كده) كان فيه كتابات ايجابية جدا عن انه كان صارم وعادل كقاضي وانه مكانش بيبالي بالوساطات والرشاوي المعتادة. ( اللي فاكره من السلبيين ابن حجر العسقلاني، والايجابيين المقريزي)

    اعادة القراءة ممكن تيجي من الاتصال مع اللي قدمه العلماء القدامى قبولا أو رفضا، بس اللي حاصل هوا الانقطاع عنهم، وتحويلهم إلى رموز عشان الذات المصابة بانكسار وبتيجي الصدمة لما نكتشف انهم مكانوش زي ما هوا مفترض من الرموز

     
  • At 7:50 AM, Blogger ربيع said…

    طيب يا كجهول اكتب اسمك ، كلامك جميل جدا ايه اللي مخليك مجهول؟
    حتة هو كان ليه مواقف سياسية و بيدخل في مناقشات مع القبائل و غيره انا ماعنديش اعتراض عليها ، يمكن انا بس استغربت سرعة تغيير الولاء ، خصوصا في الأندلس ، وقتها المسلمين كانوا كل شويه يقيموا دولة على حساب دولة و هو كان مع المنتصر دايما
    تيمور لنك كان حاجه تانيه خالص ، في الأساس هو محتل و مالوش وصف تاني ، هو تعامل معاه على انه فاتح و ده وصف ظالم لأصحاب الدول المحتلة ، بس يمكن تقدر تقول انه عمل كده للتقية ، تيمور ده ماكنش "تيمور" خالص ، اسهل حاجه عنده انه يطير رقبة اللي قدامه
    هو ده اللى انا عايزه اننا نتناقش عن التاريخ ، من غير انفعال أو تشنج ، كل التاريخ بما فيه تاريخ الأنبياء ، و الغرض مش اثبات ان فلان أخطأ و فلان أصاب ، بس الغرض هو الوصول للحقيقة
    انتقاد المصريين له هو في الحقيقة مدح ، احنا شعب متنسون اوي ، يعني غاويين نرغى و نلك و نلت و نعجن ، و اللي عدى الأربعين و ماتجوزش يبقى خول ، و اللي عدت التلاتين و ماتجوزتش تبقى مخاوية ، و اللي بيشرب قهوة يبقى حشاش ، و اللي بيسمع أغاني يبقى مابيصليش ، و اللي بيقرا يبقى ملحد و هكذا

     
Post a Comment
<< Home
 
 
عن شخصي المتعالي
مدونات
روابط
كتب
أخبار
Free Blogger Templates
© SprinG
eXTReMe Tracker