استشاط غضبا ، و لعنهم الى يوم القيامة ، و قال بصوت كالرعد ، يا أهل العراق ، يا أهل الشقاق و النفاق ، عليكم اللعنة ، سأحبس عنكم الهواء بإذن الله ، ثم أخرج قربتين ، و أمر الريح فدخلت في القربتين ، و احكم اغلاقهما ، و ابقاهما في مكان أمين. طوال الأسبوعين الماضيين ظل المصريون يتضرعون الى المرسي أيو العباس و الشيخ أبو النور ، و الشيخ محمد عبد الله ، طالبين التوسط ، طالبين الرحمة ، الهواء واقف ، و الأنفاس مضطربة و الحر قتل الجميع ، و أثار الأحقاد و الغضب ، فخاطب الأبن امه معنفا اياها ، و هي عرت رأسها و صبت الدعوات عليه ، و اختنق الناس بالرطوبة ، حتى أصبحوا يتنفسون ماء . ثم دعا بعضهم الحسين ، العالمين منهم ببواطن الامور ، طالبين الفرج ، مذكرينه بالقرتبين ، اللتان علقهما والده بين السماوات ، ربما يحن الحسين عليهم و يفتحهما ، او على الأقل احداهما ، فهش الحسين و بش ، و أشار بيده ، فاستدارت احداهما بأمر الله ، و انفتحت ، فانطلقت الريح بأمر الله على بر مصر ، عليلة بارده ، بلا رطوبة أو جزيئات ماء عالقه ، فسارت بلطف على الوجوه و في الصدور ، و اصطدمت في ميدان سانت فاتيما سيارتان ، فنزل الشاب من سيارته معتذرا بأدب ، فابتسمت الفتاه في هدوء و قالت حصل خير ، و ناولها الشاب رقم هاتفه ، طالبا منها الاتصال به للاتفاق على تصليح ما افسده من سيارتها ، فأخذت الفتاه الرقم شاكره ، و هي تفكر في سهام صديقتها المتزوجة حديثا. أمشي في ميدان سفير ، جلدي يرتعش بنفحات الهواء البارده ، كأننا في أول الشتاء ، الشوارع ليست مزدحمة كالعادة ، كوداك سفير مزدحم ، فتاة في فستان الزفاف تدخل ربما لتسجل الذكرى ، أرفع رأسي فأرى بيوتا جميلة ، انيقة صغيره ، كأنها خرجت من مجلة اطفال ، أدهش كثيرا ، كيف لم الاحظها إلا اليوم؟ أقول ربما اسكن في احداها يوما ، الأغبياء يتكالبون على الشقق الجديدة ، و يتركون هذا الجمال بحجة أنه قديم ، مش استايل ، اتفو على اللي رباكم بهايم ، أرى من خلال الشبابيك العالية سقفا بسيطا بلا نقوش ، ثريا رشيقة تتدلى من السقف ، يلمع الكريستال فيجبرني على الابتسام ، أتمنى أن اجد احدهم ، لأسأله على سعر الشقة في هذا الشارع ، سمسار أو بواب ، ربما أؤجر شقة منهم ، فقط لأجلس فيها و استمتع بالهدوء و الهواء الجميل ، الشارع خال تماما من الماره ، لا يوجد بوابين لا يوجد يفط تحمل عناونين سماسرة او أرقام هواتفهم ، أدرك أن معظم الشبابيك مظلمة ، أيضا حتى المضاء منها لا حركة بداخله ، ربما نسى الناس وجود مثل هذا الشارع في الزحام ، ربما تسكنه العفاريت الآن ، هل يعلم أحدكم سمسارا من الجن؟ أفكر في الجن ، لماذا لم نراهم حتى الآن ، و لا حتى صورة ، أبدأ في التشكيك بوجودهم ، ربما انقرضوا في عهود غابره ، حضروا عهد الرسول و انقرضوا ، أو ربما نجدهم في الحجاز فقط ، كما التماسيح لا تستطيع العيش في براغ ، ربما هم لا يعيشون في مصر الجديدة ، أسأل نفسي ما الفرق بينهم و بين العفاريت؟ بالتأكيد إذا كان الجن موجودون فعلا ، فالعفاريت موجودون أيضا ، ربما هم أولاد عمومه ، أو فرع هاجر منذ مده و استقر في افريقيا ، خاصة في مصر . أسير حتى كنيسة البازيليك ، أقرا الفاتحه على روح البارون امبان ، لا علم لي بتأثير الفاتحه عليه ، ربما تكون سندا له في قبره الرخامي ، ارفع رأسي لأتامل قبة الكنيسة الخلفية ، حتى الكنائس أفسدوها في أيامنا هذه ، يبنون هياكل ضخمة من الخرسانة ، ربما تحسبا لثورة المسلمين على الأقباط في مصر ، يستعدون و يهيؤون حصونا لهم ، و يعتقدون أن الخرسانة ستعيش أكثر ، مبنى صلب قوي ، لا يتظرون أبدا الى كنائس ايطاليا القديمة ، حيث الأبراج مبنية ، طوبة فوق طوبة ، لو أخبرت مهندسا بذلك الان لسخر منك ، لا نعرف اليوم الا الخرسانة و الأسمنت ، أما كنائس روما و الفاتيكان ، فمرفوعة على أجنحة الملائكة . فوق القبة أرى هيكلا صغيرا ، شخصا يرتدي زيا أزرقا ، زي سابغ ، يغطيه من رأسه حتى قدميه ، ، يقف بهدوء فوق القبة ، يمسك بعصا ، ربما ينظف سطع القبة ، ادرك ان الشخص فتاه ، ربما سيده كبيره في السن ، ربما تستند على عصاها ، تخاف الوقوع أرضا من العلو الشاهق ، تمد ذراعها و تمر به على الفضاء أمامها ، لفحة الهواء البارد تسكرني ، يقشعر ظهري و ذراعاي ، تختفي السيده فجأه من فوق القبة ، ابحث بعيني عنها فلا أرى شيئا ، أستمر في المشي حتى المريلاند ، البارون امبان بنى مصر الجديده ، لتصبح الكنيسه على يمينه ، و مضمار سباق الخيل في مواجهته ، اليوم حولته شركته المأممة الى مقاهي و مطاعم ، مساهمة مع الجميع في تعذيبه في قبره . أتساءل الآن عن مصير القربة الأخرى ، ربما فتحتها السيده العذراء فوق كنيسة البازيليك .
|
جميل
والاجمل اني اول تعلق