افطرت يوما عند احد الشيوخ المشهورين ، و اثناء سلام الحاضرين عليه و تقبيلهم ليديه ، نظر الشيخ الى احدهم و قال بحزم رقيق ، اعدل الطاقية يا شيخ ، فرفع الرجل كلتا يديه و عدل طاقيته المعوجة و اقامها على ام رأسه ، و كان ميل طاقيته كان عيبا يهدد حياته ما الضرر في الميل؟ ألسيت فروع الشجرة مائلة؟ هل رأيت يوما فرعا مستقيما ؟ ألا تنحني الفروع حتى تلمس الأرض؟ ، ربما تنحني و تميل حتى تقرب الثمار الى أيدينا ، او لتمد ظلا واسعا حول جذع الشجرة ، او لتستقبل كل نفحه من شعاع الشمس الدائرة حولها و الشمس أبدا مائلة ، تبدو مستقيمة و عمودية للحظة فقط ، لتميل بعددها كما كانت مائلة قبلا ، و هي تفعل ذلك لأن الأرض مائلة ، الكرة نفسها مائلة ، و الأكثر من ذلك انك لن تجد قطعه من سطحها مستقيما ، بل كله مائل غير منتظم ، حتى اسطح البحار و البحيرات و الانهار ، تميل و تعلو و تهبط ، فلا مستقيم على الأرض أبدا و ما من ميزان متزن أو متساوى الكفتين ، فاحداهما تعلو الاخرى لا ريب ، و قد نظنهما متساويتان ، و لكن تلك بالتأكيد تعلو هذه بجزء من الالف ، بل ان ميزان اعمالنا غير متزن ، و حتى اذا حدث و تساوت سيئاتنا مع حسناتنا ، فسيرمي الله حفنة في كفة الحسنات فترجح ، وتميل و نحن دائما أبدا حالنا مائل ، غير سعداء و مكتئبين ، نحزن سريعا و ننسى سريعا ، و ينتقدنا الجميع ، الاب و الأم و الجار و ربما البواب ، و ربما حالهم أكثر ميلا من حالنا و الجبل مائل ، و نحن نتسلقه و نحن مائلون على ميله ، و لو حاولنا ان نستقيم لوقعنا و دقت اعناقنا ، فلا مفر من الميل و النهر مائل ، فلو كان النيل مستقيما منتظما لما جرى و انطلق ، فميله واضح و معروف ، و يوم ان وضعنا سدا لنهدئ سرعته جعلنا سطح السد مائلا و الطائرة تطير مائلة ، و المسلم يصلي مائلا ، و الانسان يتألم مائلا ، و الأنثى تلد مائلة ، و الجنين يتخلق مائلا ، و خط العمر في الكف مائل ، و لولا ميل برج بيزا لما عرفناه ، و شعر الرأس بنمو مائلا ، و الرجل يشيخ مائلا ، و العشب مائل و حتى شعاع النور قد يميل و بالتاكيد لن تجد ما يمكن وصفه بالمستقيم او العدل ، و انما الكل مائل ، أو مستقيم على مائل فما عيب الميل يا مولانا؟ |
وانك تتدبس في فطار كهذا فهو حال مايل أيضاً