Thursday, November 27, 2008
عن الهندي و المصري

دخل بعدي الطائرة بدقائق ، شاب هندي أسمر ، رموش عينيه طويلة ، نحيف للغاية ، بلا حقيبة ظهر و لا حقيبة كتف ، لم يحمل جواز سفر و لم يحمل تذكرة ، و جيبيه الخلفيين فارغين ، جلس على حافة الكرسي مبعدا ظهره عن ظهر الكرسي ، حدق في عينيي مباشرة ، تحديق الخائف الراغب في الاطمئنان ، ملابسه جديدة ، رخيصة مقلدة ، ربما اشتراها من الحي الصيني في كوالا ، بعد دقائق جاء مصري يلبس بدلة ضخم الجثة ، طلب منه الجلوس امامي بدلا من الجلوس بجانبي ، ثم جلس بجانبه ، اعطاه بطانية رقيقة و وسادة ، فورا غطى الهندي رأسه بالبطانية و توسد الوسادة و سكن ، كان منظره مريبا للغاية ، من يسافر هذه المسافة بلا أمتعة؟ ، و بلا جواز سفر ، و هو يترك مجال دولة ليدخل مجال دولة أخرى ؟ و ما دخل المصري في الأمر؟ اكتشفت من بطاقتة المعلقة في رقبته أنه رجل أمن ، من مطار القاهرة! هنا في مطار كوالا! ، ربما يرافق كل طائرة مصرية رجال امن من المطار ، كالذي أوقفني امام باب الطائرة و فحص تذكرتي و جواز سفري ربما للمرة الخامسة ، كان وجهه متعبا ، و لأول مره منذ فترة اتعاطف مع أحد رجال الأمن ، لم ينطق أبدا ، فقط أشار لي بالدخول ، قبل أن يمسك بجواز سفري و تذكرتي ، كان يأمر ثلاث سيدات سودانيات بالخروج خارج الطابور و ارسال أحد حقائبهن إلى مخزن الأمتعة بالطائرة ، وجهه لم يكن ينطق سوي بالضجر و التعب ، لا النظرة المتسلطة التي نراها عادة ، كان فعله غريبا ، فحقيبة زائدة داخل الكابينة لن تؤثر سلبا على الطائرة ، و لم أفهم سبب اصراره

عندما تحركت الطائرة رفع الهندي يمناه الى صدره ثم الى جبهته و تمتم ، ثم رفعها مره أخرى الى شفتيه و تمتم ، كان يصلي لكي يحميه ربه مما هو قادم ، و لما ارتفعت الطائرة و شعر بفرق الضغط على اذنيه ، أشار الى المصري بجانبه ضاغطا بيديه على اذنيه ، بوجه متسائل متألم ، فأشار المصري له بالاطمئنان فالأمر طبيعي بعد قليل رفع الغطاء مره أخرى الى رأسه و توسد الوساده و استرخى

أتى الطعام ، لم يفهم الهندي المضيفة عندما خيرته بين السمك و الدجاج ، و اضطرت هي أن تعيد ما قالته بصوت أعلى ، و أعاد رجل الأمن المصري المرافق له بالعربية ، و كأن الهندي سيفهمه! ، أخيرا طلب الهندي سمكا من المضيفة ، و أخذ يأكل بتمهل ، لم يستخدم سوى ملعقة ، لم يرش ملحا و فلفلا على الطعام ، لم يفتح الخبز الصغير و لم يدهنه بالزبد ، فقط أكل القليل من الرز القليل في الأصل و قطعة سمك صغيرة ، تمضمض جيدا بالماء ثم بلعه ، شرب عصيره الذي اختاره كما اختاره المرافق المصري ببطء ، رشفات قصيرة جدا و صغيرة ، ربما عشرين رشفة ، أمسك المنديل بعد ذلك و مسح فمه بعناية بالغة ، بحرص شديد ، و كأن بواقي الطعام على شفتيه دنس ، أمسك نفس المنديل و مسح حول صينية الطعام البلاستيكية و تحتها ، و كأنه يقوم بواجب أو بعمل مفروض عليه ، ثم رفع الغطاء على رأسه و نام

خلال الأربع ساعات القادمة فهمت من حوار المضيفة و طاقم الطائرة مع المرافق المصري أن الهندي "مرحل" ، صعد الطائرة بلا تذكرة و و بلا جواز سفر ، بعلم الأمن الماليزي و الأمن المصري و الأمن الهندي ، سلمه رجل الأمن الماليزي للآخر المصري الذي يمثل الحكومة المصرية لأن الطائة أرض مصرية ، ثم سيسلمه الى الثالث الهندي في مطار بومباي ، هذا الفرد الضعيف ، الذي يخاف من هدير محرك الطائرة ، يحرك الامن في ثلاث دول ، فقط لنقله ، ربما سافر الى ماليزيا للعمل هناك مع أقرانه الهنود ، ربما سافر بطريقة غير شرعية ، في مركب ربما ، ربما لم يكن يحمل جواز سفر ، أو أنه كان يحمل واحدا و أضاعه ، ربما أضاعه عمدا ، تزاحمت الاحتمالات في رأسي ، هذا فتى لا يتمتع برفاهية معجون الأسنان ، فيمضمض فاه بالماء ثم يبلعه ، لأن الماء غال و لا يمكن هدره ، هو لا يستمتع برغوة و رائحة الصابون على يديه بعد الأكل ، بل يكتفي بمسح فمه و يديه جيدا بالورق ، هو لا ينتظر أحدا خلفه لينظف مكان طعامه ، بل هو من اعتاد تنظيف مكان الآخرين

عندما وصلنا الى بومباي ، قال الهندي لمرافقه بلغة الإشارة أنه لا يملك نقودا ، و لا يعرف كيف يخرج من المطار الى المدينة ؟ فهمت أن المصري سيسلمه للأمن الهندي ، الذي سيسرحه بعد دقائق ، ربما ما فعله لا يمثل انتهاكا للقانون هناك ، ربما السجون مليئة لدرجة أنها لا تستوعب فردا آخر "مرحل" من ماليزيا ، طمأنه المصري و كأنه أب ، قال أن كل شيء مرتب ، هز الهندي رأيه كعادته و صمت أيضا كعادته ، لما هبطت الطائرة في بومباي ، غادرها المصري بصحبة الهندي و عاد وحيدا

لما عدت الى مصر و شاهدت حجم الدمار الذي حل ببومباي ، شعرت بالأسى تجاه الهندي ، ربما هو مرحل من ماليزيا لأنه مشتبه فيه ، لا ، كيف يرحلون مشتبها فيه على طائرة مدنية؟ الأكيد أنه سيتعذب كثيرا ، فرد بلا جواز سفر ، بلا هوية ، مرحل من دولة أجنبية ، فيه كل عوامل الاشتباه ، بلا أمتعه ، انتحاري مثالي ، ينزل مصحوبا بثور أسمر مصري لابسا بدلة سوداء ، الثور المصري لا يتحدث الانجليزية ، و غالبا ما سيسلمه لأول ظابط هندي يراه في أرض المطار ، سيسلمه في صمت ، مما سيضفي طابعا بالغ الخطورة على الأمر ، فيرتعد الظابط الهندي ، التفجيرات تملأ البلد ، و ربما وصلت للمطار ، و هذه المصيبة تلقى أمامي الآن ، لا مفر من اعتقاله لحين نفي ما نشك فيه ، مرمطة ما بعدها مرمطة ، و هو الذي كان يحمل هم المال اللازم لتوصيله خارج المطار ، ربما سينسي في السجن لعدة شهور

قميص الهندي المقلد الرخيص الذي ربما ابتاعه من الحي الصيني ، كان مكتوبا على ظهره دولشي آند جبانه

posted by ربيع @ 11/27/2008 09:19:00 AM  
4 Comments:
  • At 8:46 PM, Blogger FATMA said…

    من رسم الحدود حول الدول ؟؟؟

     
  • At 9:36 PM, Blogger Unknown said…

    السلام عليكم ورحمة
    الله تعالى وبركاته
    يقول تعالى فى كتابه العزيز
    (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا-97-إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً-98-)سورة النساء
    اى ان الاصل هو ان لا حدود بين الدول وأن الارض لله ولكن أه من لكن هذه تعمل ايه فى ظلم الانسان لاخيه الانسان!
    تدوينة لطيفة وفيها من المعانى والمقاصد الكثير والكثير

     
  • At 12:17 AM, Blogger salah said…

    wow , very nice blog , and i see also that my blog is relevant to yours at talking about Egypt, so i offer to exchange my blog link with you..waiting your opinion..

    allaboutancientegypt.blogspot.com

     
  • At 7:07 PM, Anonymous Anonymous said…

    أول مرة أزور البلوج بتاعك.. دي تدوينة جميلة جدا.. مع كل الود

     
Post a Comment
<< Home
 
 
عن شخصي المتعالي
مدونات
روابط
كتب
أخبار
Free Blogger Templates
© SprinG
eXTReMe Tracker