يسيطر علي هذا الهاجس دائما ، وجود ما هو ليس موجود ، أو العكس ، دخلت الى بلكونة شقتنا القديمة ، وجدت جدتي جالسة على كرسي ، و الى الجانب ثلاث اطباق في كل منها مشمش و خوخ و برقوق ، أخذت من كل طبق ثمرة ، قضمت الخوخة فوجدتها فاسدة ، و مع ذلك أكلتها ، قالت لي جدتي أنهم يسمونة المشمش المقلي ، و ذلك لأنه أثقل أنواع الفاكهة ، رميت بذرة الخوخة على امتداد ذراعي ، فسقطت على السقف المعدني للمصنع الضخم المهجور أمام العمارة ، السقف بارتفاع الدور الثاني من عمارتنا ، و أنا أقف في الدور الخامس ، السقف تحتي و انا أكشف كامل سقف المصنع ، رنت البذرة و تدحرجت قليلا على السطح ، كان المكان صامتا ساعة المغرب ، جسر السويس فارغا ، ليس مزدحما كعادته منذ خمسة عشر عاما ، أتى الليل ، أضأت نور البلكونة فظهر ظلي على السقف المعدني ، أخذت أرفع ذراعي و أحركهما ، كأني أشجع الأهلي ، كأني مصري قديم مرسوم على الجدران ، فيظهر ظلي يتحرك مثلي على السقف المعدني ، أسمع ضحكات الجيران فوقي و تحتي ، أقدم عرضا مجانيا ، أنظر الى الأمام مباشرة ، لا أرى الواقفين في العمارة المقابلة ، المصنع ضخم و العمارة بعيدة جدا ، ربما تبعت 500 متر أو أكثر ، أتعب من الحركة و التنطيط فأجلس على بلاط البلكونة مستمتعا بالهواء أصحو أخيرا ، أفكر في الذهاب فورا الى العمارة القديمة ، لأرى المشهد مرة أخرى ، أجلس في السرير لأتذكر أني أعيش في شقة بلا بلكونة ، بلا هواء بحري ، و لأتذكر أن المصنع قد هدم منذ فترة و قامت مكانه عمارة ضخمة ، و أن جيراننا الجدد قريبين جدا ، و واضحين وضوح الشمس ، بحيث يمكننا قراءة الصفحة الأولى من أهرامهم ، اذا قرأوا هم صفحة داخلية |
This comment has been removed by the author.