Friday, November 20, 2009
خيار النخبة
في فلم "كرة" يكتشف ثلاثة من النخبة اكتشافا مذهلا، كرة أتت من الفضاء، استقرت في قاع المحيط، هذه الكرة ذات خاصية فريدة، فهي تحقق أحلام من يقترب منها. يتشابه الفلم كثيرا مع فيلم سولاريس الشهير، إلا أنه يختلف معه في نظرة "النخبة" إلى الاكتشاف المهم. النخبة هنا كانت: أفريقي في منتصف العمر، شقراء شابه، و كهل ملحد. ثلاثة أثلاث الشعب الأمريكي التلفزيوني. بعدما يصل الثلاثة إلى بر الأمان، يقررون أن العالم غير مستعد للتعرف على "الكرة" بعد، تلك الكرة التي حققت أحلامهم عندما كانوا بقربها، و الحجة في ذلك، أن أحلامهم التي تحققت كانت خليطا من الأكوابيس و البارنويا و الرعب. لكل من الثلاثة كابوس أسود تمثل له واقعا أثناء ما كان قريبا من "الكرة". و بالطبع قد تتمثل كوابيس كل من يقترب من "الكرة" تخيل العالم حينها، سيتحول إلى كابوس مرضي وسواسي كبير. و كرد فعل على ذلك، اختاروا أكثر الآليات الدفاعية الإنسانية بدائية: النسيان. قرر الثلاثة نسيان الأمر تماما، فهم يمتلكون –بصفتهم نخبة- القدرة على اختيار النسيان كحل. و هكذا عندما قرروا نسيان كل ماحدث، طارت "الكرة" مرة أخرى إلى الفضاء، انظر كيف يكون الحل النخبوي مؤثرا، حتى لو كان نسيانا "سلبيا" بالطبع، فهذا هو الحل المثالي من وجهة نظر كاتب الفلم النخبوي.
الثلاثة لم يفكروا أن كوابيسهم النخبوية ليست بالضرورة كوابيس يشترك فيها عامة الناس. بل أنهم لم يدركوا أن كوابيسهم النخبوية تلك نتيجة مباشرة لكونهم نخبة، لتعليمهم النخبوي، لثقافتهم النخبوية، لعلاقاتهم بالنخبة. و على الرغم من نخبويتهم تلك، لم يدركوا أن "غير النخبة" قد يكون لهم أحلاما وردية. تتعلق بالغنى الشخصي أو صحة البدن أو السعادة العائلية أو الراحة الجسدية أو حتى الشبع في معناه الضحل. و لأنهم نخبة، فقد أعطاهم هذا التصنيف الحق في اختيار النسيان كحل لمشكلة "الكرة". بينما هم ينكرون – في الغالب- حق غير النخبة في فعل الاختيار ذاته، بغض النظر عن ماهية هذا الاختيار.
و لأن النخبة هم نخبة في كل مكان، في السينما و في الأدب و في الواقع. في أمريكا و روسيا و أيضا في مصر، و لأن اختيارات النخبة لا تتغير أبدا. بغض النظر عن مكان تواجدهم أو الفوارق بين ثقافاتهم. فقد اختار النخبة هنا في مصر التريقة على اختيار العامة، كما كان موقفهم دائما. و أعلن النخبة أن الجزاير حبايبنا، و أننا عرب، و أننا حلوين، و أن اسرائيل تود حتما الإيقاع بيننا، و أن الأمر تعدى حدوده كثيرا، و أن الأمر مدبر لا محالة، و أننا نساق كالقطيع (كلمة نخبوية) إلى هلاكنا، و أن السوقة و الدهماء هم وقود هذه الثورة الزائفة، و أن "الكرة" ليست على حق، و أننا يجب أن ننسى "الكرة". ف "الكرة" في النهاية مجرد "كرة"، حتى و إن حققت أحلام الأغلبية الساحقة في الفرحة و الاحتفال و الراحة النفسية، لأن تلك "الكرة" قد تحقق كوابيس النخبة المتمثلة في الفرقة و الضعف و الثورة غير ذات المغزى. فالثورة، يجب أن يكون لها مغزى.
و تعود النخبة لتشير إلى ما يحدث من مظاهرات و فضائح إعلامية إشارة القرفان. يقولون: هذه هي تصرفات العامة، جربتم ردود أفعال العامة؟ أما آن الأوان لتجربوا ردود أفعال النخبة؟ ألا تودون معرفة رأي النخبة؟ و لأنهم نخبة، فهم يعلنون رأيهم في الأماكن النخبوية فقط، هناك في البارات، و ليس على المقاهي. هناك في فيس بوك و المنتديات، لكن ليس على المدونات و الفضاء الانترنتي المتاح ل "القطيع"، هناك في الاجتماعات الخاصة، و ليس في الشارع، فالشارع للشوارعجية. النخبة يتمزقون غيظا، فالعامة يلتفون حول عيلاء مبارك، العامة يحبون عيلاء مبارك. العامة معجبون بعيلاء مبارك و كلامه النابع من القلب. علاء مبارك بذكاء غير وراثي استطاع الوصول الى قلب الناس، تكلم بالتليفون. طلب النمرة و تكلم، لم يظهر مرتديا بدلة مكوية واقفا أمام مايك سامعا تصفيق أعضاء الحزب هازا رأسه بالتحية لهم. بل تكلم في التليفون، أي و الله في التليفون. تخيل بقى لما النخبة تشوف عيلاء مبارك بيتكلم في التليفون، مرارتهم هاتفرقع و لا لأ؟
خطوة علاء مبارك الجريئة هدمت تابو النخبة، سيدرك الناس في قصر العروبة أن النزول إلى الشعب يأتي عندما تلبس سويتر و تتكلم في التليفون. سيأتي عندما تنفعل و تتخانق و تشتم. و سيأتي عندما تفكر كبواب عمارة، كفاعل، كساعي، كفلاح ذي يد خشنة. و ليس كنخبوي تلقى تعليمه بلغة غير العربية. أو كنخبوي يكتب في الجرايد أو في بلوجه أو في يومياته، و الاكثر من ذلك، لا يكتب إلا عندما ينفعل، أو عندما يكون حزينا. الاكتشاف الأكثر إذهالا، أنك يمكن أن تكون نخبويا يفعل كل ذلك، و أيضا تكون محبوبا من الناس، بفعل بسيط للغاية، كأن تلبس سويتر و تتكلم في التليفون.
و هكذا، سينفض المولد حتما، و يعود النخبة للكلام عن مواضيع أخرى، متمسكين بالآلية الدفاعية الإنسانية: النسيان. متماهين مع السمك في مستوى قوة الذاكرة. و سيظل "القطيع" سائرا آكلا حشائش الأرض، منفعلا لكل ما زادت هيافته و عبطه. سريع الغضب سريع الهدوء. متمسكا ب "الكرة" تلك الوحيدة التي تحقق أحلامه. سيبقى مبارك في الحكم، و سيحكم من بعده مبارك، و ربما حكم من بعدهما مبارك أيضا. و حتما سيتكلم المباركيون من الآن فصاعدا في التليفون، و سيخلعون البدلة المكوية و يلبسون السويتر، ربما كيدا في النخبة فقط.

posted by ربيع @ 11/20/2009 09:18:00 PM  
3 Comments:
  • At 1:05 AM, Blogger هشام علاء said…

    عزيزى ربيع

    كلامك موزون و دقيق فى وصف ما حدث بالفعل و اعجبنى جدا بداية البوست و المثال الذى طرحته من فيلم الكرة و بالتاكيد كان هناك من توصفهم بالنخبة الذين قاموا بالاستعلاء على مشاعر الجماهير و الذين استبدلوا كلمات محترمة كالجماهير و رجل الشارع بكلمات كالدهماء و الغوغاء و الحثالة

    اتفق معك فى وجود النخبة - او مجموعو من الناس يظنون انهم نخبة - و انهم كما تقول مبالغين فى القسوة على مشاعر الجماهير و ممتعضين و متعالين على كل مايحدث

    و لكن

    ليس الموجودين على الساحة مقصمين فقط اما نخبويين متعالين متحذلقين ذو تعليم اجنبى يعيشون فى البارات و الفضاء الالكترونى و اما جماهير غفيرة يسبق انفعالها تفكيرها و ترى فى انجازات الكرة اقصى احلامها


    هناك اشخاص فى الوسط بين هؤلاء و هؤلاء

    اشخاص شجعوا منتخب مصر بمنتهى الحرقة فرحوا عندما فزنا و بكوا عندما خسرنا و لكنهم لم يبالغوا فى اى من الشعور بالفرحة و الحزن

    اشخاص لا ينظرون الى الجماهير الغفيرة و عامة الناس على انهم حثالة او دهماء بل احيانا تجدهم وسط هؤلاء الجماهير ينفعلون معهم و لكنهم ايضا لا ينساقون كالقطيع و لا يسمحوا للعقلية الجمعية ان تسيطر عليهم

    اشخاص يرون ان تجاوب الناس مع مكالمة علاء مبارك هو تجاوب طبيعى لانه يتكلم عن صدق و يتمثل فى هذه المكالمة انفعالات الكثيرين ممن يسمعونه و لكنهم فى نفس الوقت يرون ان مكالمته تكتسب اهمية زائدة عن الحد لانه ليس لمجرد كونه ابن الرئيس فسوف يكون اكثر اهمية من اى مواطن عادى يتصل و يقول نفس مايقوله..هل لعلاء مبارك اى صفة سياسية او اى نوع من العمل العام حتى يكون هناك مبرر لالتفاف الناس حوله؟

    ليس هناك مبرر لالتفاف الناس حوله سوى ما قاله فى المكالمة التليفونية و يقولون انه لو رشح نفسه فى الانتخابات غدا سيفوز فهل هناك مصيبة اكثر من ان يفوز فى الانتخابات شخص بناء على الانفعالات و المشاعر فقط..بناء على مكالمة تليفونية

    بعيدا عن كل ذلك فهذا البوست يطرح معضلة فعلا موجودة فى حياتنا و هى المسافة بين النخبة الحقيقية و العامة او بمعنى ادق المسافة بين التحكيم المطلق للعقل و التحكيم المطلق للمشاعر

    و لكن انا كده طولت جدا ..ده مبقاش تعليق يا راجل ..ده بقى بوست
    :))))

    تحياتى

     
  • At 1:28 AM, Blogger Gemyhood said…

    ايوة كدة يا وديع

     
  • At 9:01 AM, Blogger على باب الله said…

    النخبة دول عاملين زي فصل المتفوقين في المدرسة ، هم فخر المدرسة في مسابقاتها العلمية لكن لا وزن لهم في الخناقات و الكُرَب العظام

     
Post a Comment
<< Home
 
 
عن شخصي المتعالي
مدونات
روابط
كتب
أخبار
Free Blogger Templates
© SprinG
eXTReMe Tracker