حسيت ان الكلام العادي موش هايعمل حاجه ، اي حد ممكن يقوله ، قبل كده كتبت كلام عن "حكايا الوراجي" و عجب علاء ، قلت لو كتبت

حاجه كمان ممكن تعجبه ، يا رب لما يطلع يقراها و تعجبه

فكرة تخمير الثمار فكرة قديمة جدا ، و ما من حضارة زراعية الا و خمرت أحد منتجاتها الزراعية الرخيصة و المنتشرة ، العنب أو البلح أو الشعير ، كل شعب كان يفضل تخمير نوع من أنواع الثمار .
كانت "العشاني" نبته شديدة الانتشار في الدلتا ، كانت قديما تعتبر نبته ضارة ، تخرج من بطن الأرض فجأة لترعب الفلاح الذي يسرع للقضاء عليها بكافة الطرق ، بشكل ما كانت النبتة تنمو مرة اخرى حتى بعد اتلاف و حرق مكان النبتة تماما ، كان الفلاحون البسطاء يتركون طيور البياض المهاجرة تأكل ما تشتهي من ثمار العشاني البنية اللون ، معتقدين بأن طيور البياض تساهم في تدمير العشاني بالقضاء على الثمار المنتجة للبذور ، بعد فترة من البحث اكتشف احد الرحالة سبب انتشار العشاني في حوض الدلتا ، كانت طيور البياض تستمر محلقة لأيام طويلة ، تركب الرياح الشمالية في هجرتها السنوية الى الجنوب ، و تحط كل عدة أيام في احد الحقول لتتغذى على ثمار العشاني المحملة بالبذور ، كما كانت تترك فضلاتها المحملة ببذور العشاني ذات القشرة الصلبة و غير القابلة للهضم ، تتركها في حقل الفلاح الغلبان ، لتنمو نبتة عشاني اخرى و هكذا ، اكثر ما لفت نظر الرحالة طول المدة التي يقضيها البياض محلقا في الجو ، و لما ادرك أن الغذاء الوحيد الذي تتناوله الطيور هو الثمار البنية للعشاني قام بتجربتها على الفور.
التأثير كان مذهلا ، كان كل هذا قبل اكتشاف الانسان للتخمير ، و حتى قبل اكتشاف الانسان انه يمكن عصر الثمار المختلفة و تحويلها الى "عصير" يمكن شربه كالماء ، فوجئ الرحالة بصفاء ذهني غريب ، و قدرة كبيرة على استرجاع احداث و مشاهد و أسماء و وجوه سابقة ، حاول أن يتذكرها سابقا و لكن ذاكرته عجزت ، فوجئ بنشاط محموم ، و حواس متقده ، خاصة حاسة السمع ، التي اصبحت حادة بشكل اصبح النوم معها مستحيلا ، و مع كل هذا ، أخذ الرحالة يدون ما تذكره بكافة تفاصيله ، يومين متصلين ، بدون تعب أو ارهاق ، و في اليوم الثالث كان مفعول الثمار البنية انتهى تماما ، فاستسلم الجسد المنهك للنوم .
عرفت ثمار العشاني بعد ذلك بتأثيرها المنبه القوي ، و انتشر تعاطيها على طول حوض النهر من الشمال الى الجنوب ، و مع الوقت أصبحت زراعة العشاني مطلبا في حد ذاته ، بعدما كان التخلص من النبات الضار مطلب كل فلاح ، كما استمرت طيور البياض في المساهمة في الدورة الزراعية للنبتة ، فكان المطلوب من الفلاح حصاد جزء من الثمار و ترك الباقي لكي تقوم الطيور بعملها ، مع الوقت اضطر الفلاحون لتخزين الثمار ، استخدموا طرقا و أساليب كثيرة للتخزين ، فشل معظمها و نجح القليل منها ، و في الوقت الذي بدأت فيه الشعوب الزراعية في العالم في تخمير محصولها الأساسي و الحصول على مشروب ناتج من التخمير ، اكتشف أحدهم طريقة لتخمير ثمار العشاني.
الطريقة التالية هي نتاج سنوات و سنوات من التجارب و الأبحاث ، بدأت مع فلاح بسيط و انتهت بلجنة ضخمة مكونة من العديد من المتخصصين ، كل منهم متخصص في مرحلة ما من مراحل التخمير ، كانت المشكلة الحقيقية لتحقيق أفضل تخمير تكمن في تخزين الثمار في وسط مائي ، معزول عزلا تاما عن الهواء الخارجي ، و يجب أن تتم العملية في جو نظيف ، بعيدا عن هواء الحقول و الصحراء .
ثمار البطيخ النهري تختلف في لونها و شكلها عن ثمار البطيخ العادي ، الأولى ذات لون داخلي وردي فاتح ، و لكن بنفس المذاق الحلو للبطيخ العادي ، كذلك تنمو ثمار البطيخ النهري لتصبح اسطوانية الشكل ، ذات قطر كبير مقارنة بطولها ، لتذكرنا في النهاية بعصا قصيرة غليظة ، بعد غلي البطيخ لمدة دقيقة واحدة ، يتم قطع الجزء الأعلى و الاحتفاظ به جانبا ، بعد ذلك يتم تفريغ ثلثي البطيخة بواسطة عود من البوص مشقوق طوليا ، ثم وضع عدد من ثمار العشابي المقطوفة حديثا حتى تملأ الثلث الثاني من البطيخة ، يتم ترك عود البوص داخل البطيخة ، ثم اضافة 4 او 5 اضافات اخرى سوف تظل مجهولة الى الأبد ، يتم وضع الجزء الأعلى من البطيخة مرة اخرى ، و غلقه بالشمع المذاب ، بعد ذلك تلف البطيخة بخيوط الكتان ، و اذابة الشمع حتى يغطيها تماما ، ثم يتم دفنها في مدافن الوراجي في الصحراء بعيدا عن حوض النهر.
أدرك الوراجيون - سوف يشتهرون من الان فصاعدا بهذا الأسم – أن طول مدة التخمير يؤثر ايجابا في قوة الوراجي ، و أن البطيخ المعتق يزداد ثمنه مع الوقت ، خاصة مع انتشار الوراجي كمشروب قوي في المناطق المحيطة ، و اقبال التجار على نقل الوراجي الى الشعوب المجاورة بأسعار عالية ، مما جعل من الوراجي مصدرا لدخل الوراجيين .
مع الوقت تم تنظيم زراعة العشابي و البطيخ النهري و أيضا تنظيم صناعة الوراجي ، و وضع أصول و قواعد للتصنيع و التعتيق ، و مع الوقت سيصبح الوراجي مصدرا لشقاء للوراجيين و أيضا لثروتهم الهائلة.